يشهد المشهد اللبناني تصعيداً خطيراً في الخطاب السياسي والإعلامي الصادر عن أركان حزب الله تجاه الأطراف المطالبة بضرورة وضع حدّ لحالة السلاح غير الشرعي خارج إطار الدولة.
في الوقت نفسه، يرفع الحزب من مستوى تحديه الصريح للمجتمع الدولي، متماهياً أكثر فأكثر مع الأجندة الإيرانية في المنطقة، وهو مسار ينذر بعواقب جسيمة على لبنان دولةً وشعباً ومؤسسات.
من الواضح أن خطاب التخوين والتهجم الذي يمارسه حزب الله بحق المعترضين على استمرار سلاحه يُعمّق الشرخ الداخلي، ويدفع باتجاه مزيد من التصلب في المواقف، ما يعطل أي حوار وطني جدي حول مستقبل الدولة ومؤسساتها ويعيق الإصلاحات.
في الوقت الذي يجب التوجه والسعي إلى التوافق حول رؤية موحدة للسيادة الوطنية، يُصرّ الحزب على تخوين كل من يُطالب بوضع السلاح تحت سلطة الدولة، واتهامهم بالعمالة أو تنفيذ أجندات خارجية.
في ظل هذا التصعيد، تصبح مؤسسات الدولة أكثر هشاشة وعاجزة عن ممارسة دورها السيادي، بينما يتم تكريس واقع “الدولة داخل الدولة” أو “تحكم الدويلة للدولة”، وهذا الأمر يُفقد المواطنين ثقتهم بالدولة ويزيد من ظاهرة الهجرة والنزيف البشري والاقتصادي.
لذا، فإن رفع منسوب التحريض قد يؤدي إلى انفجار اجتماعي أو أمني ضمن إطارات مختلفة الظروف، خاصة مع التدهور الاقتصادي الذي لم ينتقل للآن إلى بر الأمان، وأي شرارة صغيرة في هذا الجو المشحون قد تشعل نزاعات أهلية متنقلة.
مع تصعيد حزب الله خطابه العدائي تجاه المجتمع الدولي الذي يمكن تبريره لو كان الحزب لبناني فعلا غير تابع، وخصوصاً ضد الدول الغربية والخليجية، عاد مسار عزل لبنان عن محيطه العربي وعن النظام المالي العالمي ليهيمن على الأجواء اللبنانية.
هذا التحدي المتعمد يصب في خدمة استراتيجية إيرانية إقليمية، لكنه يترك لبنان مكشوفاً اقتصادياً ودبلوماسياً وما يتبعه على المستوى الأمني الداخلي، كما أن استمرار الحزب في استعراض قوته العسكرية وخطابه العدائي قد يدفع المزيد من الدول إلى فرض عقوبات على شخصيات ومؤسسات لبنانية رسمية أو مصرفية، ما يزيد من تعقيد الأزمة الاقتصادية والنقدية، ونتيجة لذلك لا يمكن للبنان الحصول على دعم المجتمع الدولي وصناديق التمويل الدولية، ما دامت مؤسساته خاضعة لهيمنة قوة مسلحة خارج إطار الشرعية، وبالخلاصة فإن استمرار هذا النهج يجهض أي محاولة للنهوض الاقتصادي.
من الواضح أن رفع منسوب الخطاب المتحدي للمجتمع الدولي يأتي ضمن خدمة مباشرة للأجندة الإيرانية في صراعها مع الغرب، واستخدام الساحة اللبنانية كورقة ضغط ضمن هذا الصراع، غير أن الكلفة تُدفع من رصيد لبنان، وشعبه، ومستقبله، فبينما تخوض طهران معاركها الإقليمية، يتحول لبنان إلى ساحة مواجهة تُهدد وجوده ككيان مستقل وذي سيادة.
وفي الختام، تؤكد المعادلة المتكاملة لكل ما ورد أن الإصرار على هذا المسار التصعيدي يحمل محاذير جسيمة على السلم الأهلي، وعلى علاقات لبنان الدولية، وعلى إستبعاد خروجه من أزمته الاقتصادية والمالية.
لا يمكن إنقاذ لبنان إلا من خلال العودة إلى منطق الدولة الجامعة، ووضع كل السلاح تحت سلطتها، ووقف الانخراط في الصراعات الإقليمية التي لا طائل منها سوى مزيد من الخراب الوطني.