شهدت الساحة اللبنانية تصعيداً خطيراً في الأيام الماضية مع تنفيذ ضربة جوية إسرائيلية مباشرة على الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل “حزب الله”، وقد أتى الحدث في ظل تناقض وهشاشة داخلية متفاقمة، وأوضاع اقتصادية واجتماعية مأزومة خاصة وأن التلويح بالشارع بناء على تلك الأوضاع يسود، وهو أصلا تحريكا مصطنعا أهدافه سياسية.
وكانت الجواء تلبدت خلال اليومين الماضيين بعدما استهدفت الضربات الإسرائيلية مواقع عسكرية مفترضة في الضاحية الجنوبية، وأدت إلى وقوع خسائر بشرية ومادية، أدت بحزب الله للإستنفار لما يمكن أن يكون محضرا للتنفيذ، وسط تحركات ميدانية متزايدة في مناطق نفوذه.
الجيش اللبناني بقي على موقف الحياد، مع انتشار محدود لحفظ الأمن في العاصمة والمناطق المجاورة، إلا أن الجيش لوّح بعد الضربات لإمكانية إنسحابه من متابعة التنسيق في لجنة المراقبة على خلفية ما إعتبره الجيش تجاهلا له.
حالة من القلق الشعبي العام تهيمن على الأجواء بسبب الخشية من انزلاق الوضع إلى مواجهة مفتوحة، على غرار ما تشهده غزة.
وعلى مستوى الوضع السياسي، فإن جمودا سياسيا يسجل في مؤسسات الدولة الرئيسية بعدما عاد الرئيس نبيه بري لإحتكار الموقف والقرار وإستضعاف رئيس الحكومة خدمة لمصالح الثنائي الشيعي، وظهر ذلك مع غياب القدرة على اتخاذ قرار وطني موحد بشأن السلاح غير الشرعي، وتستمر القوى السياسية المؤيدة للدولة والدستور بالدعوة إلى ضرورة العودة إلى المسار السيادي، وفصل سلاح الدولة عن سلاح التنظيمات المسلحة.
القوى الحليفة لـ”حزب الله” تواصل دعواتها للحزب بالتمسك بسلاحه تحت شعارات “المقاومة”، رافضة أي نقاش جدي بشأن تسليمه للدولة، وتعتبره كل من يستهدف السلاح خائن وعميل.
المخاطر المستقبلية: لبنان إلى “نموذج غزة”؟
إن استمرار التعنت في ملف تسليم السلاح إلى الدولة اللبنانية يضع البلاد أمام خطر التحول إلى “نموذج غزة”:
عزل دولي متزايد.
تدمير البنية التحتية بفعل الضربات المتكررة.
اقتصاد حرب وتهريب، بدل اقتصاد منتج.
شلل سياسي دائم، مع سيطرة السلاح على القرار الوطني.
تراجع المؤسسات الدستورية لصالح منظومة الأمر الواقع.
وعلى مستوى الإصلاح ومعالجة الخلل في المؤسسات والإدارات فإن ضرورة إعادة تفعيل مؤسسات الدولة عبر توافق سياسي عريض على مرجعية الدستور هو السعي الحالي للمكونات اللبنانية الساعية لمنطق الدولة، فإطلاق خطة وطنية لتسليم السلاح غير الشرعي للدولة، بإشراف الجيش اللبناني، ضمن جدول زمني واضح، هو الضرورة الحالية للقوى السيادية من أجل تحييد لبنان عن الصراعات الإقليمية حفاظاً على السلم الأهلي.
لبنان اليوم أمام مفترق طرق تاريخي، التعنت في موضوع السلاح خارج إطار الدولة بعد الضربة الإسرائيلية الأخيرة ليس مجرد تحدٍّ سياسي، بل خطر وجودي على الكيان اللبناني، كما إن عدم معالجة هذا الملف قد يدفع البلاد إلى مستنقع العنف المعمم والعزلة الدولية، ويجعل منها “غزة أخرى” في شرق المتوسط.
الفرصة لا تزال قائمة للعودة إلى دولة القانون والمؤسسات، شريطة تحرك وطني مسؤول وسريع، خاصة من قبل المسؤولين المترددين والخانعين أو الغاضين ابصارهم كرمى مصالح آنية، وتمسكا بألقابهم ومكانتهم التي مكّنتهم من إستغلالها في تدعيم زعاماتهم، خاصة المسؤولين السّنة الذين هم حاليا شهود زور على إستهداف رئيس الحكومة.