في تطور غير مسبوق في السياسة الإقليمية، سمحت الولايات المتحدة بالاستهداف الإسرائيلي في قطر، وهو ما يفتح الباب لتساؤلات حول الأهداف الاستراتيجية لهذا التحرك وتداعياته على المنطقة.
الولايات المتحدة: دعم مشروط أم إعادة تموضع استراتيجي؟
في 9 سبتمبر 2025، نفذت إسرائيل غارة جوية في الدوحة استهدفت قيادات من حركة حماس، وهو ما أثار استنكارًا دوليًا واسعًا. الغريب في الأمر هو أن الولايات المتحدة، التي تُعتبر حليفًا وثيقًا لإسرائيل، لم تكتفِ بالصمت بل أيدت الضربة بشكل غير مباشر، مما يشير إلى تحول في السياسة الأمريكية تجاه المنطقة. هذا الموقف يُعتبر نادرًا، خاصة وأن قطر كانت تلعب دور الوسيط في مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة، وهو ما يضع واشنطن في موقف محرج أمام حلفائها الخليجيين.
التحولات في التحالفات الدولية: هل تخلت واشنطن عن حلفائها التقليديين؟
قبل أيام، صرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأن الهند وروسيا “خسروا” لصالح الصين بعد انضمامهم إلى منظمة شنغهاي للتعاون، مما يعكس استياء واشنطن من تحركات حلفائها التقليديين نحو بكين. هذا التصريح يُظهر أن الولايات المتحدة قد تكون بصدد إعادة تقييم تحالفاتها في المنطقة، خاصة مع الدول العربية التي بدأت تُظهر ميولًا نحو الصين. في هذا السياق، يُطرح تساؤل: هل تسعى واشنطن إلى إجبار الدول العربية على اختيار جانبها أو مواجهة تداعيات ذلك؟
الشرق الأوسط وآسيا الوسطى: ساحة صراع جديدة للنفوذ
المنطقة تُعتبر ذات أهمية استراتيجية كبيرة في مواجهة “طريق الحرير” الصيني الجديد. الولايات المتحدة، التي كانت تهيمن على هذه المنطقة لعقود، تجد نفسها الآن في مواجهة تحديات جديدة مع صعود الصين كقوة اقتصادية وسياسية. هذا الصراع على النفوذ يضع دول المنطقة أمام مفترق طرق: إما البقاء في دائرة التأثير الأمريكي أو الانفتاح على الفرص التي تقدمها الصين.
إيران: هل تقترب المواجهة العسكرية؟
التصعيد الأخير في المنطقة يُنذر بقرب اندلاع حرب مع إيران. الولايات المتحدة أظهرت استعدادًا أكبر للمشاركة في مواجهة إيران، خاصة بعد الضربة المشتركة مع إسرائيل على المنشآت النووية الإيرانية. هذا التحرك يُعتبر خطوة تصعيدية قد تُؤدي إلى نزاع شامل في المنطقة، خاصة إذا قررت إيران الرد بشكل عسكري.
استقرار نسبي في ظل العواصف الإقليمية
على الرغم من التوترات الإقليمية، يبدو أن لبنان يشهد استقرارًا نسبيًا. الناتج المحلي الإجمالي للبنان يُتوقع أن ينمو بنسبة 4.7% في عام 2025، مدفوعًا بتقدم الإصلاحات والانتعاش في قطاعات السياحة والاستهلاك. هذا النمو يُعتبر مؤشرًا إيجابيًا في ظل الظروف الإقليمية الصعبة، مما يُعطي أملًا في إمكانية تحقيق استقرار طويل الأمد.
مرحلة جديدة بعد الأسد
سوريا تدخل مرحلة جديدة بعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024. القيادة السورية الجديدة، برئاسة أحمد الشعار، تسعى لإعادة بناء علاقاتها مع الدول العربية والغربية. اللقاء الأخير بين الشعار وقائد القيادة المركزية الأمريكية، الأدميرال براد كوبر، في دمشق يُظهر رغبة في تعزيز التعاون السياسي والعسكري، خاصة في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية. إسرائيل، من جانبها، عرضت على سوريا المشاركة في إيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة، مما يُشير إلى تحولات في العلاقات الإقليمية.
تحولات جيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط
المنطقة تشهد تحولات جيوسياسية كبيرة، مع تغير في التحالفات وتزايد التوترات العسكرية. الولايات المتحدة، التي كانت القوة المهيمنة، تجد نفسها الآن في مواجهة تحديات جديدة مع صعود قوى أخرى مثل الصين. الدول العربية، بما في ذلك لبنان وسوريا، تقف عند مفترق طرق، حيث يتعين عليها اتخاذ قرارات استراتيجية تحدد مسارها في المستقبل.
في هذا السياق المتغير، يبقى السؤال الأهم: هل ستتمكن الدول العربية من الحفاظ على استقلالها السياسي والاقتصادي، أم ستجد نفسها مجبرة على الانحياز إلى أحد المعسكرين المتنافسين؟