فُجع لبنان مجدداً بسقوط ستة من خيرة مهندسي الجيش اللبناني وعدد من الجرحى، في انفجار وقع في وادي زبقين جنوب البلاد، أثناء محاولة قوة من الجيش مداهمة موقع يُشتبه بكونه مستودع ذخيرة تابع لحزب الله. الحادثة التي هزّت الرأي العام لم تكن مجرّد خطأ ميداني أو سوء تقدير، بل بدت أقرب إلى رسالة دموية موجهة إلى الجيش والدولة، تؤكد أن الاقتراب من “السلاح المقدّس” للحزب خط أحمر.
تفاصيل الحادثة
بحسب المعلومات الميدانية، تمت المداهمة بعد اتصالات جرت بين قيادة الجيش وقيادة الحزب، حيث قيل للقوة العسكرية إن “عليكم الأمان”، في إشارة إلى أن الدخول إلى الموقع آمن. لكن ما إن بدأ خبراء الجيش بمحاولة تفكيك المتفجرات حتى دوّى الانفجار، مخلّفاً ستة شهداء والعديد من الإصابات الخطيرة.
الموقع، وفق مصادر عسكرية، كان معداً ومفخخاً بشكل احترافي، بما يمنع أي محاولة للوصول إلى محتوياته أو العبث بها، وهو ما يعزز فرضية أن الانفجار لم يكن عرضياً، بل عملية مقصودة لردع أي تحرك مشابه مستقبلاً.
رسالة تتجاوز الحدود
قراءة الحدث لا يمكن فصلها عن السياق السياسي والأمني الراهن في لبنان، حيث تتزايد الضغوط المحلية والدولية على الحكومة لنزع سلاح حزب الله. الرسالة واضحة: من يمد يده على السلاح سيدفع الثمن، سواء كان ذلك الجيش أو أي قوة أخرى.
هذه الحادثة تأتي امتداداً لنهج تبناه الحزب منذ سنوات لحماية ترسانته، والذي عبّر عنه الأمين العام السابق حسن نصرالله قبل وفاته حين قال: “السلاح للسلاح”، مؤكداً أن الاحتفاظ به هو غاية بحد ذاته وليس مجرد وسيلة. واليوم يضيف الحزب بوضوح أن السلاح “للمهدي المنتظر”، في خطاب عقائدي يربط الترسانة العسكرية ببعد ديني – مهدوي، ليعطيه حصانة معنوية أمام أي نقاش سياسي.
ذريعة أم أمر إيراني؟
رغم كثرة التبريرات التي يسوقها الحزب، من حماية لبنان إلى مقاومة إسرائيل، إلا أن الحقيقة الأوضح، بحسب مصادر سياسية معارضة، أن القرار الفعلي بيد إيران. طهران تعتبر حزب الله أحد أهم خطوط دفاعها المتقدمة في المنطقة، وأداة استراتيجية لحماية مصالحها في مواجهة الولايات المتحدة وحلفائها. وبالتالي، فإن تسليم السلاح يعني بالنسبة للإيرانيين خسارة ذراع حيوية في مشروعهم الإقليمي.
البيئة الحاضنة للحزب، رغم التضحيات البشرية والاقتصادية التي دفعتها وتدفعها، ما زالت تنجرف خلف هذا الخطاب، مغفلة حقيقة أن الاحتفاظ بالسلاح لم يعد متعلقاً بالدفاع عن لبنان بقدر ما هو أداة في صراع إقليمي لا يخدم المصلحة الوطنية اللبنانية.
حوادث مشابهة
حادثة وادي زبقين ليست الأولى من نوعها. قبل ثلاثة أشهر، شهد الجنوب انفجاراً في موقع آخر خلال محاولة الجيش التعامل مع مواد متفجرة، ما أسفر عن سقوط شهداء وجرحى أيضاً. الحوادث المتكررة تؤكد أن هذه المستودعات ليست مجرد مخازن سلاح، بل ألغام سياسي
بين واجب الجيش في فرض سيادة الدولة، وتمسك الحزب بسلاحه المدعوم إيرانياً
بين واجب الجيش في فرض سيادة الدولة، وتمسك الحزب بسلاحه المدعوم إيرانياً، يقف لبنان أمام مشهد خطير تتداخل فيه الدماء بالرسائل السياسية. حادثة وادي زبقين ليست مجرد مأساة عسكرية، بل إنذار شديد اللهجة بأن معركة السلاح لن تكون سلمية، وأن شهداء الجيش كانوا ضحايا أولى في صراع سيادي مفتوح على كل الاحتمالات.
نبيل الأيوبي